الفراغ الفكري

General discussions Concerning Iraqi Higher Education

Moderator: Al-Wahedi

Post Reply
Al-Wahedi
Site Admin
Posts: 297
Joined: Fri Nov 26, 2004 2:24 pm
Contact:

الفراغ الفكري

Post by Al-Wahedi »

الفراغ الفكري[/b]
ترجمة: هاشم كاطع لازم / أستاذ مساعد – جامعة البصرة – كلية الآداب – مركز اللغات الحية
hashim_lazim@yahoo.com
بقلم: فرانك فوريدي * Frank Furedi
موقع (الكفاءات العراقية) – 11/5/2012
في حوار جرى مؤخرا حول مستقبل الجامعات ذكر مسؤول جامعي رفيع المستوى:(لم يعد التعليم الجامعي العالي مقتصرا على أكتساب المعلومات والمعرفة الأكاديمية الصرفة فحسب)؛ مثل هذا القول حظي برضى الكثيرين ممن كانوا يستمعون لهذا المسؤول.
وقد اشار أساتذة جامعيون الى أن أهتمام الطلبة الجامعيين ينصب بشكل رئيسي على الحصول على درجات علمية مهنية vocational وأن الحكومات تتوقع أن تعمل الجامعات وفق أحتياجات المجتمع ، لكن الدراسات العليا ذاتها بدأت تبتعد عن تشجيع المنح الدراسية والتعليمية ودعمها وتنحو بدلا من ذلك نحو التدريب المهني رغم تصدي النخبة الجامعية القليلة التي ظلت تقاوم بعناد أي توجه ربما يقلق برجها العاجي! أضف الى ذلك بدأت دوائر صنع القرار خارج الجامعة ترفض فكرة أن الجامعة ينبغي أن تتحدد بمشروعها الفكري.
في الأسبوع الماضي القى شاب يعمل في مجال الشبكات الألكترونية في أحدى مؤسسات الأبحاث محاضرة أرتجالية مباشرة حول ابتعاد الأكاديميين حيث اشار الى أن (السياسات المخطط لها هي الكل في الكل) ، وعليه فأن سائر الأفكار المتميزة تنطلق من ناس من أمثاله. يبدو من ذلك أننا نجد أنفسنا وسط نقاش من طرف واحد يتعلق بطبيعة الجامعة. ونقول هنا (طرف واحد) لأن مناصري الفكرة التقليدية المتعلقة بالجامعة آثروا أما الأبتعاد أو الصمت! والقضية هنا تبدو مشوشة للغاية أيضا بسبب الأساليب التي تطرح القضايا بموجبها.
وعلى خلاف بريطانيا تشهد الولايات المتحدة مناقشات جادة حول دور الجامعة مقارنة بدور المفكر من خارج الوسط الجامعي ، فمؤيدو مفهوم المفكر العام يرون بأن الكاديميين الذين يضعون قدما في الجامعة وأخرى في المجتمع يمكنهم أن يؤدوا دورا هاما في جعل البحث العلمي في متناول اوسع شريحة من الناس. أما مناوئو الفكرة فيخشون من أن توجه الجامعة نحو دور أكثر عمومية سوف يؤدي الى الأضرار بالبحث العلمي والتدريس.
وقد شهد هذا الجدل والنقاشات تأثيرات مختلفة فالكثير من الجامعات شجعت هيئاتها التدريسية على المشاركة الفاعلة في النشاطات المجتمعية أنطلاقا من القناعة بأن تحقيق سمعة أعلامية كبيرة أمر جوهري لضمان حيوية مؤسستهم التعليمية ونجاحها. ثم أن وجود أسواق تنافسية تجعل من الوسط الأجتماعي عاملا مهما ومحفزا للجامعات في سعيها نحو التميز والأزدهار. وقد عمدت مؤسسات تعليمية عليا مثل جامعة شبكاغو University of Chicago الى تخصيص بعض برامجها للدراسات العليا لغرض تدريب الناس لتبوا أدوار اجتماعية عامة ، كما تشعر هذه الجامعة بالزهو الكبير لأنتماء نخبة من رجال الفكر الذين لديهم امتدادات واسهامات مجتمعية واضحة اليها من أمثال جون ديوي John Dewey وسوزان سونتاك Susan Sontag وألان بلوم Allan Bloom . كما أن جامعة أتلانتك فلوريدا Florida Atlantic University في بوكا راتون Boca Raton قد خطت خطوة أخرى الى الأمام واستحدثت برنامج دكتوراه يربط بين أختصاصات مختلفة interdisciplinary في موضوع التعقليّة الأجتماعية public intellectualism. من هنا يمكن تفسير مثل هذا الدعم المتذبذب للمفكر العام بأعتباره محاولة من جانب السلطات ذات العلاقة لبلورة دور جديد للجامعة. في هذا الخصوص يرى جيفري ويليامز Jeffrey Williams الذي يدرس اللغة الأنكليزية في جامعة ميسوري University of Missouri أن الأحتفاء بالمفكر الأجتماعي العام هو في الواقع (خرافة لأعادة الشرعية الى المجامع العلمية academy ). وتخشى الكثير من الجامعات الأمريكية على شاكلة قريناتها البريطانيات أن تبتعد قليلا عن أختصاصاتها الأكاديمية لأن مثل هذه الصلة القوية في معناها الأكاديمي تجعل بعض أعضاء هيئة التدريس يسعون للبرهنة على أن مايقومون به من أعمال أمر ذو جدوى وأهمية.
يتضح من ذلك أن هذا الجدل لم يظهر للوجود بسبب البرنامج الذرائعي pragmatic الذي تتبناه السلطات الجامعية فالكثير من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات يبدون قلقا أزاء دورهم الفكري ففي عصر الأدارات الجامعية managerialism يصعب على العلماء والباحثين أيجاد صوت لهم. أضف الى ذلك الجدل الذي أنطلق مع اعادة طبع كتاب راسيل جاكوبي Russell Jacoby الموسوم (المفكر الأخير) The Last Intellectual الذي يشير الى أن الكثير من الأكاديميين ينتابهم القلق الشديد حيال علاقتهم بعامة الناس فالكتاب يطرح تساؤلات حول الذرائع الفكرية التي يطلقها الأستاذ الجامعي. لكنه لايتباكى على الأيام الجميلة الماضية أنما جاء (دعوة للمفكرين لأصلاح العامية الدارجة واعادة أثبات أنفسهم في الحياة العامة).
لاغرابة اذن أن يكون النقاش الجاري حول دور المفكر أكثر تطورا في الولايات المتحدة منه في بريطانيا فمنذ الثمانينيات من القرن الماضي أنشغلت الأوساط الكاديمية الأمريكية كثيرا في المناظرات السياسية ، وفي سنوات حكم الرئيس الأمريكي ريغن تعرضت الكليات الأنسانية لهجمات كثيرة بسبب توجهاتها الثقافية المسيّسة. ومثّل محتوى التعليم الجامعي واحدا من المواضيع المركزية الهامة في أطار (المعركة) الثقافية حامية الوطيس حينئذ. ومن بين الأسماء الهامة التي لمعت في تلك الفترة كل من سونتاك وهنري لويس غيتس Henry Louis Gates وأدوارد سعيد ونعوم تشومسكي Noam Chomsky الذين كان لهم دور ريادي في المناظرات الثقافية والسياسية في الولايات المتحدة.
لكن الوضع في بريطانيا على خلاف ذلك الى حد كبير فلا يوجد ثمة من يتهم الجامعة البريطانية بكونها تشكل مرتعا لأي شيء كان. ثم أن الدور الأجتماعي للمفكر البريطاني في أيامنا هذه أكثر هامشية من اي وقت مضى تسعفنا الذاكرة في تذكره. ثم أن الدور المتلاشي تدريجيا للجامعة البريطانية في الحياة الفكرية للمجتمع قد توافق مع التوسع الهائل للتعليم العالي هناك. وفي أيامنا هذه ترتبط مفردة (فكري) على الأرجح مع تعبير (حقوق الملكية) أكثر من أرتباطها بتعبير (أكاديمي واقعي).
أن انهيار الدور الفكري للجامعة البريطانية لايمت بصلة لعبارة (البرج العاجي) فالجامعات غدت معرضة أكثر من ذي قبل للضغوط الخارجية كما أن الأملاءات السياسية بدات تؤثر على البحوث الجارية في الجامعة فضلا عن أن الجهات الممولة بدأت تربط ماتمنحه من أموال بالبحوث التي تنسجم مع البرامج الخاصة بها. ثم أن الضغوط السياسية الرامية الى تحويل الجامعة الى أداة للتضمين الأجتماعي تهيمن على الحرم الجامعي.
من جانبها تقوم السلطات الجامعية البريطانية بتشجيع الهيئات التدريسية على التواصل مع الناس خارج الجامعة ليس بصفة مفكرين أنما بصفة (خبراء). لكن الخبراء ليسوا مفكرين بالضرورة حيث لانتوقع منهم أهتمامهم بالفكر الذي لايلتقي مع بحوثهم ذات الصلة بحقولهم المعرفية بل أن بعض القيادات الجامعية تدفع بأساتذتها الى الأبتعاد تماما عن أداء مثل هذا الدور. وقد وجهت قيادات أدارية جامعية النقد الى احد زملائي من الأساتذة لأنه كتب رسالة الى أحدى الصحف تطرق فيها الى موضوع اعتبروه خارج مجال أختصاصه وخبراته الأكاديمية لكونه انتقد ماتعرض له العراق من قصف يرون فيه موضوعا بعيدا جدا عن مدى ادراك ومعرفة أحد العلماء الأختصاصيين في مجال العلوم الأجتماعية.
يمكن القول هنا أن المعتقدات والمثل العليا وانماط السلوك في جانبها الأداري التي تهيمن على الحياة الجامعية قد عملت على تشكل القاعدة التي تستند عليها ثقافة التفكير النقدي وربما تؤدي برامج البحوث المفروضة الى حد كبير الى اضعاف الأستقلال الفكري الذي يمثل أفضل اسهام أيجابي للأساتذة الجامعيين بصفتهم أصواتا مستقلة.
القضية الحقيقية أذن لاتتعلق بمدى اسهام الأساتذة الجامعيين في النشاط الأجتماعي العام أنما بدورهم العام بصفة خبراء فنيين أو مفكرين. أن بمقدور أولئك الأساتذة أن يقدموا اسهامات كبيرة في الحوارات والجدل الدائر حول البرامج والسياسات المتّبعة بمنأى عن الرؤية قصيرة المدى التي يتبناها السياسيون وما يرتبط بهم من برامج رغم أن القضايا السياسية تتصف بأبعادها المتعددة الأمر الذي يقتضي تفكيرا وتأملا جديين. اضف الى ذلك يتطلب الأنشغال في أمور السياسة تدقيقا شاملا لمشكلة ما وبخلاف كل ذلك فأن مايقوم به الأساتذة من اسهامات سيؤدي بكل بساطة الى جعل الجدل العام أكثر سطحية. صحيح أننا نحتاج الى مفكرين حقيقيين في أوساط المجتمع لكننا أيضا نحتاج الى أستقلالية واضحة المعالم لأنضاج الحوارات والجدل. علينا أن نغادر الأبراج العاجية التي يتوارى فيها البعض لنؤسس لمؤسسات تعليمية لاتتردد أحيانا من تطوير بعض الأفكار لما تنطوي عليه من أثارة للأهتمام.

• يقوم فرانك فريدي بتدريس علم الأجتماع في جامعة كنت University of Kent في كانتيربري في بريطانيا.


http://www.7brands.com/translation-arti ... ations.htm
Post Reply