القيادات الجامعية.. الانتخاب أم التعيين أم الانتقاء؟

General discussions Concerning Iraqi Higher Education

Moderator: Al-Wahedi

Post Reply
Al-Wahedi
Site Admin
Posts: 297
Joined: Fri Nov 26, 2004 2:24 pm
Contact:

القيادات الجامعية.. الانتخاب أم التعيين أم الانتقاء؟

Post by Al-Wahedi »

القيادات الجامعية.. الانتخاب أم التعيين أم الانتقاء؟
أ.د. محمد الربيعي
22/7/2012

كثيرا ما تثار مسألة اختيار القيادات الجامعية، فتطرح عندها وجهات نظر مختلفة، الا انها تتفق على مسألة أساسية، وهي توفر الخبرة والقدرة الادارية. غير ان وجهة النظر هذه، مع تفهمي واحترامي لها، تغفل مسألة على جانب كبير من الاهمية، وهي ان النظام الاداري في الجامعات والمؤسسات التعليمية العراقية، كونه مركزيا، لا يرقى الى الانظمة الادارية العالمية، والتي اوصلت جامعات الدول المتطورة الى مستويات اكاديمية وبحثية عالية، لذا ليس من الضروري ان توّفر هذه الخبرة معرفة بتطورات الادارة العالمية للجامعات او بتكنولوجيا التعليم والتعلم خصوصا بما يتعلق بالجودة وضمان الجودة، ولا تهيئ القيادات لنهج الاصلاح والتطوير، ولا الى الوصول لمرتكزات الجامعة الحديثة في الاستقلالية الادارية والحرية الاكاديمية. كما ان النظام الاداري العراقي لازال متخلفا ويتميز بالبيروقراطية والروتين وغيرها من الامراض الادارية التي تقتل الابداع والتطور. لذا باعتقادي ان الخبرة الادارية تحمل جوانب سلبية اكثر من جوانبها الايجابية، فكلما زادت سنوات العمل الاداري السابق للقائد الجامعي الجديد كلما قل استعداده لهدم النظام القديم، وقلت مرونته واندفاعه للتغير والتطوير والاصلاح، مع احتراسي من التعميم الشامل لهذه النظرة التبسيطية.

ادت ممارسات السلطة ولغاية 2003 الى ظهور مؤسسات التعليم العالي العراقية في صورة نمطية واحدة تديرها قيادات تختارها الدولة، ويهمين فكرها وممارساتها على كل اوصال الجامعة الادارية والاكاديمية (1). وبعد الاحتلال عام 2003 تم الاتفاق على ضرورة إجراء انتخابات لرؤساء الجامعات والعمداء، بدلا من تعيينهم، وفق ما اشارت اليه المادة 26 من قانون التعليم العالي لسنة 1970 من شروط تعيين رئيس الجامعة، وبضمنها ان يكون عراقيا، وبدرجة استاذ في التعليم الجامعي، وان يكون نائب رئيس الجامعة بمرتبة لا تقل عن استاذ مساعد، وكذلك عميد الكلية، ويتم تعين هؤلاء بمرسوم جمهوري. وكانت الانتخابات تجربة جريئة تطلبتها طبيعة المرحلة الانتقالية والتي لم تتشكل فيها بعد مؤسسات سياسية منتخبة. فكانت في ذلك الوقت تمثل حلول مؤقتة تستهدف تحقيق الاستقرار في الجامعات، واثبتت لاحقا ان لها ايجابيات كما كان لها من سلبيات تمثلت في انتخاب بعض العناصر غير الكفوءة والفاسدة. ولا زلنا والى غاية اليوم ونحن بانتظار قانون جديد للتعليم العالي يتضمن نظاما ملائما لاختيار قيادات الجامعات، ولازالت التعينات بيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي بالرغم من الاضطرابات العديدة التي حصلت في الماضي بداية باقالة الاستاذ الدكتور سامي المظفر، الرئيس المنتخب لجامعة بغداد من قبل الدكتور زياد عبد الرزاق، الوزير المعين من قبل مجلس الحكم انذاك. وبالرغم من ان حصر التعيين والاقالة بيد الوزير يعني بقاء الجامعات تحت سيطرة الدولة باعتبار رئيس الجامعة وعمداء الكليات موظفين في الدولة يخضعون لقوانينها وادارتها المباشرة.

أنا لا اميل الى الانتخاب ولا الى التعيين المباشر كوسيلة لاختيار القيادات الجامعية، وأرى في الانتقاء على اساس المفاضلة احسن اسلوب لتعيين افضل القيادات الجامعية، وهو اسلوب يعتمد على الاعلان عن الوظيفة الشاغرة وإجراء مقابلة شفوية على اساسها يتم الاختيار. ويمكن ان يتم اجراء تحوير بسيط لكي يمنح اساتذة الجامعة دورا في اختيار رئيسهم المباشر، والوزارة دورا في التعيين على اساس انها الجهة الممولة للجامعات، والوزير على اساس انه المسؤول المباشر بتنفيذ سياسة الدولة في الجامعات. تبدأ العملية بالاعلان عن الوظيفة بداخل وخارج الجامعة وعلى الموقع الالكتروني للجامعة، ويتم الاشارة الى الواجبات والشروط حسب لوائح الجامعة. وخلال هذه الفترة يتم انتخاب لجنة المقابلة، وهي عبارة عن ممثل عن كل كلية بالنسبة لرئيس الجامعة وممثل عن كل قسم بالنسبة لعميد الكلية. يعود لهذه اللجنة المنتخبة من الهيئة التدريسية للجامعة او الكلية المعنية مسؤولية اختيار افضل العناصر للمقابلة الشفوية، وتحدد الوزارة طريقة المقابلة والاختيار على اسس مقبولة وبضمنها اعطاء درجات لكل قابلية او خبرة او قدرة للمتقدم. وبعد ان تتم المقابلة تلتقي اللجنة بالوزير (في حالة اختيار رئيس الجامعة) لمناقشة نتائج المقابلة، وبعد الاتفاق مع وزير التعليم العالي يتم اعلان اسم المرشح الفائز. وفي حالة اختيار العمداء فان لجنة المقابلة تجتمع مع رئيس الجامعة قبل اعلان اسم المرشح الفائز.

وكما هو واضح فالعملية لا تعني تعيين رئيس الجامعة او العميد بالانتخاب المباشر وانما بالانتقاء من قبل لجنة منتخبة من قبل اعضاء الهيئة التدريسية للجامعة او الكلية المعنية. وبهذا تضمن العملية صوت للاستاذ في عملية التعيين عن طريق انتخاب لجنة المقابلة والاختيار، وتضمن تعيين افضل العناصر عن طريق الاعلان والمقابلة وتوفر الشروط، وتضمن للوزير حق النقض حيث تعطي العملية للمسؤول الاداري الاعلى حقا مشروعا في نظام دولة لا تتوفر فيه الاستقلالية الكاملة للجامعات. وقد لا يكون هذا النظام هو النظام الأمثل، لكنه بالقطع أفضل كثيرا من النظام المعمول به حاليا، الذى هو استمرار لنظام قديم أخضع الجامعات عنوة لإدارة تسيطر عليها تماما الدولة. ولكى تصبح المقارنة موضوعية يجب أن تكون دائما مع ما كان سائدا من قبل فى الجامعات العراقية وليس مع ما هو مطبق فى الجامعات العالمية.
هذا بالنسبة لاختيار ديمقراطي لقيادات الجامعات.

اما بالنسبة لمن يكون افضل قيادات الجامعة فأني أفضّل ان اقدم كمثال صورة ملخصة لأراء اعضاء الهيئة التدريسية في جامعتي (جامعة دبلن)، حول كفاءات رئيس الجامعة استنادا على نتائج استطلاع رأي. يتبين ان اساتذة الجامعة يفضلون رئيسا يتمتع بالصفات التالية:
1. ذو شخصية قوية وجذابة ومتزنة، ويتمتع بمهارات الاتصال والتواصل، وله علاقات جيدة بالاجهزة والمؤسسات الخارجية (الوطنية والعالمية).
2. ذو سجل ممتاز في كل من البحث العلمي والتدريس.
3. يؤمن بالاستقلال الاكاديمي والفكري للجامعة عن الدولة والممولين، ويدافع عن الحرية الاكاديمية، ويسعى لان تكون الجامعة مجالاً خصبا لإيجاد الحلول المناسبة للإشكالات التي تعترض المجتمع، بمنهجية علمية.
4. يهتم بالمعايير الأكاديمية، ويسعى الى الارتقاء بجودة التدريس والبحوث، وبسمعة الجامعة.
5. يلتزم بقوة بأسس الحكم الجماعي، الذي يجمع مصالح الهيئة التدريسية والعاملين في الجامعة في عملية صنع القرار.

ولربما لو اجري استطلاع لأراء الاساتذة الجامعيين العراقيين حول الموضوع لتم التوصل الى نتائج مماثلة، خصوصا بما يتعلق بشخصية رئيس الجامعة العلمية والاكاديمية والادارية، ولكن وبتأكيد كبير على ضرورة التمسك بالقيم الاكاديمية، وعدم اعطاء أي امتياز للانتماء الحزبي او الطائفي.
______________________________________________________
(1) التعليم العالي في العراق: تحديات الواقع والمستقبل. أ.د. سامي عبد المهدي المظفر. جريدة المواطن،
Post Reply